وشدد إدريس لشكر في مداخلته على أن موضوع الجهوية هو مجال واعد بامتياز استنادا إلى الدراسات والأبحاث التي تمت، كما هو الشأن بالنسبة للحوار الوطني حول إعداد التراب الوطني، وكذلك على الأبحاث المستندة إلى المرجعية الحزبية التي تستند إلى المنظور الخاص للاتحاد الاشتراكي، مبرزا أن الجهوية هي عنصر أساسي لتصريف المشروع الاقتصادي التنموي وليست مجرد مؤسسات منتخبة بالاقتراع العام المباشر ذات صلاحية محددة بالنصوص التشريعية والتنظيمية، مؤكدا على أنها أبعد من ذلك.
الكاتب الأول، الذي كان يتحدث أمام خبراء دوليين ومغارية شاركوا في أشغال هذا اليوم الذي اختير له شعار «مغرب الجهات.. ضرورة تاريخية وطنية وديمقراطية»، شدد على أن المطلوب هو جعل اختصاصات الجهة هي القاعدة العامة وأن يكون تدخل الدولة هو الاستثناء، مبرزا أن الدولة يجب أن تنحصر مهمتها في تحديد الوظيفة الوطنية للجهة وفق ماتسمح بذلك المؤهلات الطبيعية والاقتصادية والبيئية والبشرية، وفسح المجال للمؤسسات الجهوية لوضع البرامج اللازمة لتحقيق الأهداف المحددة بما يحقق التكامل ويخدم التضامن، مشددا على أن الجهة ليست مجرد مجموعة مشاريع منفصلة عن بعضها البعض، بل هي مشروع وطني استراتيجي يندرج ضمن الرؤية الوطنية للجهة في شكلها الشمولي، مستعرضا الأشواط التاريخية التي قطعها المغرب في هذا المجال والرؤية التي تخص الحزب في هذا الصدد. (انظر كلمة الكاتب الأول كاملة).
اللقاء، الذي سير أطواره عضو المكتب السياسي المهدي مزواري، الذي أكد على أنه افتتاح لأنشطة الحزب السياسية خلال الموسم السياسي الحالي، واختار له موضوعا راهنيا وبالغ الأهمية لكون الجهة من المواضيع والنقاشات الكبرى التي تعرفها بلادنا، تناول خلاله الكلمة كذلك محمد بنعبد القادر، عضو المكتب السياسي ووزير إصلاح الإدارة والوظيفة العمومية، الذي أوضح على أن مسارات اللاتمركز واللامركزية هي متباينة ومختلفة وإن كانت تشترك في وحدة الدولة كيفما كانت درجة تفويت السلط، مؤكدا أن ثنائية الجهوية واللاتمركز تندرج ضمن الهوية السياسية للاتحاد الاشتراكي كحزب ديمقراطي اجتماعي راهن باستمرار على الربط الجدلي بين الديمقراطية والتنمية، مشددا على أن هذا التكامل هو الإطار الأمثل لاستكمال البناء الديمقراطي للدولة وتعميق الممارسة الديمقراطية في المجتمع، مستعرضا في هذا الصدد انخراط الحزب التاريخي من موقعه، سواء في المعارضة أو في الحكومة، في تطوير هذا الورش والنقاشات المرتبطة به التي توجت بإصدار الميثاق الوطني حول إعداد التراب.
كما وقف محمد بنعبد القادر، كذلك، عند نهج الديمقراطية المحلية الذي انخرط فيه المغرب واعتماده اللامركزية الترابية، مسلطا الضوء على الخطوات التي قطعها منذ أول انتخابات جماعية، مشيرا إلى أن النتائج المتوخاة منها لم تتحقق بالكيفية التي كانت منتظرة وفقا لخلاصات عدد من التقارير وضمنها تقرير الخمسينية وغيره، لأسباب أكد عضو المكتب السياسي، أنها تتعلق بالمنظومة الانتخابية والطابع العرضي للتحالفات وتكوين المنتخبين وسوء التدبير وغيرها من العوامل، مشيرا إلى سلسلة من العثرات الأخرى، كاستمرار ثقافة إدارية مقاومة للتغيير والبعد عن المصاحبة الجهوية ودعمها بالشكل الكافي، وتطرق بنعبد القادر أيضا للقانون التنظيمي المتعلق بالجهات،مشيرا إلى كون بعض منها تجد إلى جانبها مصالح خارجية غير ممركزة، مؤكدا أن هناك تطورات سريعة مساعدة لتحقيق تقدم واضح في موضوع الجهوية، مشددا على إعادة هيكلة الجهاز الإداري للدولة وليس فقط نقل السلط للجهات، والحاجة إلى ميثاق يمكن من تجميع مصالح إدارية مختلفة وتحقيق نقلة نوعية في نمط الحكامة العمومية.
اليوم الدراسي عرف مشاركة خبراء أجانب ككلاوز بترترايدت من ألمانيا، وفيوليتا باز من إسبانيا، ودانيال ليبان من بلجيكا، والبرتغالي هيندر كونسايكو، الذين قدموا تجارب دولهم في مجال اللامركزية واللاتمركز وتفعيل الجهوية مع الوقوف عند نماذج في هذا الصدد، كما تم تقديم مداخلات لتجارب مغربية، كما هو الشأن بالنسبة لمداخلة ينجا الخطاط، رئيس مجلس جهة الداخلة وادي الذهب، الذي استعرض فيها تجربته في تدبير الشأن المحلي استحضر فيها العلاقة بين الحكم الذاتي والجهوية المتقدمة، مشيرا في هذا الإطار إلى أن الجهوية ليست فقط مجموعة من القوانين والإجراءات الإدارية، بل هي تعبير أساسي عن تغيير عميق في بنية الدولة وسند لمقاربة عملية في الحكامة الترابية.
وأوضح ينجا أن هذا النموذج في التسيير، الذي حمل معه بشرى مستقبل أحسن للأقاليم الجنوبية مكن الساكنة من تدبير شؤونها المحلية بنفسها في إطار الجهوية المتقدمة المستندة إلى الحكامة الجيدة، ومداخلة محمد العلمي، نائب رئيس جهة طنجة تطوان الذي طرح سؤالا عريضا بخصوص مدى تمكن الجهات من القيام بأدوارها كاملة في التنمية المحلية، مشيرا إلى عثرات في هذا الباب، كما هو الحال بالنسبة للتأخير في إصدار المراسيم التطبيقية المتعلقة بالجهات مما أثر على اختصاصاتها الذاتية والمنقولة وإشكالية توفير الحكومة للظروف الملائمة لعملية الأمر بالصرف التي انتقلت من الولاة إلى رؤساء الجهات ومشكل ميزانية الاستثمار وكذا مرسوم التنمية الجهوية إضافة إلى عدد من النقاط الأخرى.
من جهته عبد الحميد جماهري، نائب رئيس جهة الدارالبيضاء- سطات، وقف في مداخلة له عند المرتكزات الأربعة للجهوية، المتمثلة في الدولة الموحدة، التماسك بين الجهات، التوازن واللاتمركز، لتقييم تجربة أزيد من 3 سنوات والحكم عليها بشكل علمي وواقعي ملموس، متسائلا عن مآل تنفيذ المخطط المؤسساتي الضامن للجهات، وكذا مخطط إعداد التراب الذي يراوح مكانه، مسلطا الضوء على الاختصاصات الذاتية التي لا يكون فيها مشكل مقارنة بالاختصاصات المشتركة والمنقولة التي تعرف تعثرا بل وتطرح، بحسب عضو المكتب السياسي، إعادة النظر في أسئلة جوهرية، فضلا عن عدم دورية النقاشات وعدم انتظامها بين الجهات والمصالح المختصة وإشكالية التركيبة الحزبية للجهات والهوية المؤسساتية لها التي لم تتحقق بعد، الأمر الذي يؤثر على مشاريع الجهات، مؤكدا على أن هناك شعورا ينقسم بين الإدراك باللحظة التأسيسية للجهات التي لا تقوى على تحمل كل المطامح وبين الشعور بكونها ملتقى كل الأسئلة الكبرى للمغرب.
وخلص اللقاء إلى إصدار مجموعة من التوصيات التي تلاها على الحاضرات والحاضرين، بعد نقاش مستفيض، بنيونس المرزوقي، الخبير القانوني والأستاذ الجامعي.
: المحمدية: وحيد مبارك / تصوير: ع. المساوي