الهجرات أصل التطور

يونس مجاهد

تعددت التعليقات حول التركيبة الإثنية، لبعض المنتخبات الأوروبية، في كأس العالم لكرة القدم، حيث كان لافتا للنظر أن هناك منتخبات تمكنت من الوصول إلى مراحل متقدمة، في دورة روسيا، بوجود لاعبين من أصول إِفريقية، الأمر الذي أثار ملاحظات وقراءات، من المفيد التأمل فيها، لأنها تثير قضية في غاية الأهمية، على مختلف المستويات.
المستوى الأول، هو الذي يعتبر أن هناك لاعبين أفارقة ومنهم مغاربيون، هم الذين تألقوا في المقابلات، وبالتالي، فإن بلدانهم الأصلية ينبغي أن تفتخر بهم. وهذا صحيح، غير أن هناك وجها آخر لهذه الحقيقة، وهو أن وجود هؤلاء اللاعبين في بلدان الهجرة، هو الذي أتاح لهم فرصة التألق، بما يتوفر لهم من إمكانات ومن شروط ملائمة للتطور والتقدم.
المستوى الثاني، أن ما يصحّ على اللاعبين، يصح على الحالات الأخرى، حيث يتألق فنانون وكتاب وباحثون ورياضيون، في بلدان المهجر، وهم من أصول أخرى، إِفريقية أو آسيوية، لأن هذه البلدان التي يقيمون فيها، كانت بالنسبة لهم ملاذاً وفرصة للدراسة وصقل المواهب، بما تتوفر عليه من مؤسسات وتجهيزات ومختبرات وجامعات، ولأنها تشجع التطور والتألق.
المستوى الثالث،أن الناس سواسية، من جميع البلدان والقارات، في إمكانات التطور، غير أن ما يصنع الفارق هو المحيط الذي يعيشون فيه، والإمكانات التي تتوفر لهم، كي يتقدموا أو يتخلفوا، فليس هناك انتماء إثني متفوق على الآخر، سوى بالظروف والشروط التي يعيش فيها، لذلك فإن لدى كل شعب طاقات مماثلة للشعوب الأخرى، ينبغي استثمارها.
المستوى الرابع، أن الهجرات، كانت دائما مصدر غنى للشعوب وساعدت كثيرا على تطور البشرية والحضارات، وليس العكس، بل إن التاريخ يؤكد أنه ليس هناك من بلد لم يعرف موجات بشرية من النزوح والهجرة، وفي أوروبا هناك خصاص متزايد باستمرار، حيث تحتاج البلدان الأوروبية إلى مزيد من البشر حتى تتمكن من سد هذا الخصاص، إذ أنه في سنة 2015، وصل عدد الولادات في أوروبا إلى 5,1 مليون نسمة بينما بلغ عدد الوفيات 5,2 مليون نسمة، ولم يعوض الخصاص سوى المهاجرين بعدد وصل إلى حوالي مليوني مهاجر.
فما ينتظر البشرية هو مزيد من الهجرات، كما كان الأمر دائما، منذ العصور الغابرة، حيث تطور الجنس البشري، بسبب الهجرة والتمازج والتعايش.