تطرف

يونس مجاهد

لا يقتصر التطرّف على الإيديولوجيات الدينية والشمولية، بل إن هذه الآفة الفكرية، تجتاح مجالات أخرى، من مختلف التوجهات والانتماءات، تستعمل منهجاً مطلقاً وقطعياً، لا يعترف بالنسبية في الأحكام والقناعات، لأن ما يغلب عليه هو طابع الجهل أو على الأقل، النقص في المعطيات والمعرفة.
لذلك يصدر أصحاب هذا المنهج المتطرف أحكاما نهائية، في كل شيء، بدون حجج علمية، بل أكثر من ذلك، فإنهم متعصبون لآرائهم، في الوقت الذي نجد فيه العلماء والمتخصصين عادة معتدلين في مواقفهم، لأنهم يعلمون أن «الحقيقة» نسبية.
ما يدفع المتطرفين إلى إصدار أحكام قطعية، في تأويل النصوص الدينية، أو في الحديث بقناعة لا تتزعزع عن إثنيات وتاريخ الشعوب، مثلا، هو الجهل المطبق بالدراسات العلمية، التي أنجزت في مختلف المجالات، خاصة في المجال الذي يتحدثون عنه، ففي الديانات هناك اجتهادات كبيرة، سواء في دراسة النصوص وتحليلها ومقارنتها وفك ألغازها اللغوية والرمزية، ونفس الأمر يمكن تطبيقه على مجالات أخرى، مثل الانتماء الإثني، وتاريخ الشعوب والأمم والبلدان…
ليس هناك غير العلم، وحده، الذي يمكن أن يعتمد ك»قناعة»، في كل هذه المجالات، وفي كل ما يتعلق بالايديولوجيات الدينية والميثولوجيات حول القوميات والإثنيات، فبالإضافة إلى كل تخصصات العلوم الإنسانية واللغوية، هناك كذلك علم الأركيولوجيا، الذي فتح الآفاق كبيرة أمام الإنسانية للتعرف على تاريخها، في العديد من جوانبه، سواء بالنسبة لساكنة الأرض والهجرات البشرية، أو بالنسبة للحضارات والمعتقدات والأديان، وغيرها من المعلومات التي تكشف عنها الحفريات والأبحاث التي تجرى حول الآثار التي تركها البشر، والتي تقدم معطيات جديدة وهائلة، تقلب العديد من القناعات التي كانت تعتبر محسومة ومنتهية.
و في الحقيقة إن النسبية في الأحكام لا تهم العلوم الإنسانية وحدها، بل حتى العلوم الحقة، فتاريخ العلم ليس إلا تاريخ تصحيح الخطأ، لذلك يتطور، حسب فيلسوف الإيبيستيمولوجيا، غاستون باشلار، لأن الحقائق الثابتة غير موجودة، لأن ما هو ثابت اليوم، قد يُصَحّحُ غداً.