لا وجه للمقارنة

يونس مجاهد
هناك من يلجأ إلى عقد مقارنات بين المشهد الحزبي المغربي، وباقي البلدان الأخرى، كفرنسا مثلاً، معتمداً في الكثير من الأحيان، على قراءات تبسيطية، لما يحصل هنا وهناك، دون أن يأخذ بعين الاعتبار، اختلاف السياقات والظروف، الثقافية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية.
من المؤكد أن دراسة الواقع الحزبي المغربي، تحتاج إلى مناهج علمية، تعتمد أسلوب التنظير الذي يتطلب نوعًا من التجريد والتعميم، عبر أدوات وأنماط تساعد على التحليل وفهم الظواهر، غير أنه لا يمكنها التعالي على السياقات التاريخية، لكل بلد، وهو ما يجعل المقارنات المتسرعة بين ما يحصل في بلدان أخرى، بالنسبة للعمل السياسي والحزبي، لا فائدة منها.
فإذا كانت الخصوصية لا تنفي التشابه بين الأحزاب، كبنيات لتأطير المواطنين وتمثيلهم، فإن ما يحصل في المغرب مختلف كثيراً، عن باقي البلدان الغربية، التي تشهد حياة ديمقراطية «عادية»، والتي عرفت ميلاد الأحزاب قبل أكثر من قرن، وتطورت فيها الحياة السياسية والإعلامية والمؤسساتية، بالإضافة إلى التربية والتعليم، بشكل لا يمكن مقارنته مع بلدان ما يسمى بالعالم الثالث، التي مازالت تجُرّ أذيال التخلف.
هناك عناصر أساسية، من اللازم أخذها بعين الاعتبار في أي مقارنة بين الظاهرة الحزبية في البلدان المتخلفة، ونظيرتها في البلدان المتقدمة، أولها الحاجة والفقر، أو ما يسمى بمجتمعات الندرة، ثانيها مستوى التربية والتعليم، ثالثها علاقة الدولة بالحياة الحزبية.
ففي البلدان المتخلفة، تؤثر الندرة كثيراً على الواقع الحزبي، حيث تتطور الزبونية، بشكل كبير، لأن الحاجيات والطلبات كثيرة والموارد قليلة، مما يفرض على الناس الخضوع لهذه الممارسات، وتتحول في الكثير من الأحيان البنيات الحزبية، إلى حاضنة للشبكات الزبونية.
أما بالنسبة إلى التربية والتعليم، فإن دورهما لا يخفى على أحد، حيث إن المجتمعات المتقدمة، تتقدم بفضل مواردها البشرية، التي تتوفر على ثقافة سياسية، تجعلها قادرة على التمييز بين المواقف، وعلى الاختيار عن قناعة، مما يفرض على الأحزاب، الارتقاء بمستوى برامجها ومساهماتها وأطرها وقياداتها…
لا وجه للمقارنة بين مجتمعات الندرة والوفرة، بين مجتمعات الجهل والأمية، وتلك التي قطعت أشواطاً في تعميم التعليم وإعلاء شأن الثقافة والوعي، لذلك فإن الأحزاب كأجسام حية، لا يمكنها إلا أن تتأثر بمحيطها، رغم أن دورها هو تغيير هذا المحيط.
وينضاف إلى كل هذا، تدخل الدولة، في البلدان المتخلفة، للتأثير في الحياة الحزبية، كما يحدث في المغرب، حيث تم تشجيع الظواهر السلبية، التي تجسدت في نظام الأعيان، الذي ليس سوى إعادة إنتاج منظومة الندرة والجهل.