أعلنت منظمة «إيتا» الباسكية، أنها سلمت أسلحتها، عبر إخبار السلطات الفرنسية، بالمخابئ، مما يعني أنها أنهت بشكل نهائي، علاقتها مع ما كانت تسميه بالكفاح المسلح، لتضع حدًّا لوضعية دامت منذ سنة 1959، وهو تٓحٓوّلٌ هامٌ، يحمل مغزى كبيراً، ليس في إسبانيا، فحسب، بل في أوروبا و في العالم.
فقد شٓكّلٓتْ «إيتا»، عنصرًا أساسيا في المشهد السياسي الإسباني، ليس فقط، من خلال العمليات المسلحة، التي كانت تقوم بها، ولكن من حيث امتداداتها في المجتمع الباسكي، حيث تمكنت من التواجد على المستوى السياسي، الشرعي، عبر منظمة «هيرّي باتاسونا»، التي تم تأسيسها سنة 1978، وأقدمت السلطات الإسبانية على حلها سنة 2000.
لقد كان لهذه المنظمة وجود قوي في المجتمع الباسكي، الذي يتحدث لغة خاصة به، وله تقاليد وثقافة متميزة، وتشبث قوي بخصوصياته وتاريخه، ورغم ذلك، فقد فشل المشروع الانفصالي، الذي كانت تدعو له «إيتا» و «هيري باتاسونا»، والذي كان يحظى بدعم من طرف فئات واسعة من الشعب الباسكي، رغم أنه كان مُحاربًا داخل إسبانيا، ومحاصرًا من طرف فرنسا، التي ساهمت بقوة في مواجهة المشروع.
لقد أثبتت التطورات، من خلال أسطع نموذج للمشاريع الانفصالية التي حملت السلاح، أنها أصبحت متجاوزة، وأن الشعوب تنبذها، لأنها ليست في حاجة إلى خلق كيانات صغيرة، في الوقت الذي يتأكد أن الدول الموحدة والتجمعات الكبرى، هي وحدها القادرة على التغلب على الصعوبات الاقتصادية والتحديات الاجتماعية…
ولعلّ ماحصل بالنسبة لمنظمة «إيتا» وذراعها السياسي، يدعو إلى التأمل في مآل المشروع الانفصالي، الذي تقوده الدولة الجزائرية ضد المغرب، والذي لا يمكن مقارنته، بأي حال من الأحوال، بالمشروع الانفصالي الباسكي، الذي صٓمـدَ، رغم أنه لم يكن مدعمًا من طرف أية دولة، ولم يكن محميًا بمنظمة قارية، أو بالأمم المتحدة، وكان قادرًا على التواجد داخل المجتمع.
فالمشروع الانفصالي، الذي أطلق على نفسه اسم «الجمهورية الصحراوية»، امتداده ضعيف جداً بين الصحراويين، يشهد على ذلك أنه حتى المظاهرات التي ينظمها الانفصاليون في الأقاليم الجنوبية الصحراوية، تظل محدودة، كماً وكيفاً، بشهادة الأمين العام الأممي السابق، بان كي مون، ولولا دعم الدولة الجزائرية لهذا المشروع، بالأرض والمال والسلاح والدبلوماسية، لما كان له جود يذكر، وهذا ما ينبغي للأمم المتحدة أن تتأمل فيه، لأنه مُتجاوَزٌ.
الكاتب : يونس مجاهد – بتاريخ : 11/04/2017