البيئة الحاضنة

يونس مجاهد

من أكبر التساؤلات التي تظل مطروحة، بخصوص تطور الجماعات الإرهابية، وتغلغلها في بعض المناطق، بل وقدرتها على تشكيل كيان، كما حصل في تجربة «داعش»، هي الظروف والشروط التي تسمح لمثل هذه التنظيمات بالنفاذ إلى الناس والعقول، لذلك فإن إشكالية مايسمى بـ «البيئة الحاضنة» للإرهاب، تستحق البحث والدراسة.
هل يستطيع الإرهاب التغلغل في المناطق الفقيرة، التي تعيش التهميش، وحيث تكاد تغيب سلطة الدولة وخدماتها؟ أم يتطور لأن هناك سيادة للجهل والأمية؟ أم بسبب تدخلات خارجية ونزاعات إقليمية ودولية تسمح لهذه الجماعات بالسيطرة على مناطق وإكراه السكان على تبني فكرها ومنهجها في الحياة؟
ربما تكون كل هذه الظروف والشروط مساعدة على تفشي الظاهرة الإرهابية، لكن هل هي فعلاً «البيئة الحاضنة» له؟ أم أن هناك ما هو أعمق من كل هذا، حيث إن الفقر والتهميش والنزاعات المسلحة، لا تنتج حتما، الجماعات الإرهابية.
وفي اعتقادنا فإن البيئة الحاضنة للإرهاب، ليست جغرافية أو طبقية، بقدر ما هي بيئة ثقافية، مهيأة لتغلغل الفكر المتطرف، الذي يستمد خطابه ومفاهيمه ورموزه، من مرجعية دينية متشددة، تتحكم في كل التأويلات لمناهج الحياة والعلاقات بين الناس وغيرها من أدوات الإيديولوجية التي تنتج تصورا للعالم، يجد فيه الفكر الإرهابي أرضيته الخصبة.
ويمكن القول، إن النُسٓخٓ المتداولة والشائعة اليوم، للفكر الديني الإسلامي، تشكل أرضية خصبة للإرهاب، لأنها أعادت إنتاج التأويلات الظلامية في هذا الفكر، وطورته لخدمة تيارات متشددة، أهمها التيار الوهابي، الذي خَصّصَ لنشر فكره أموالاً طائلةً ومؤسسات ضخمة ونفوذا ديبلوماسيا ودعما سياسيا.
لذلك، فإن البيئة الحاضنة للإرهاب، إيديولوجية، أولاً وقبل كل شيء، وهو ما يفسرأن أعضاء الجماعات الإرهابية ليسوا كلهم من الفقراء والمهمشين والأميين، بل منهم عدد لا يستهان به من الأطر العليا، الذين تلقوا دراسات جامعية أو تخرجوا من أحسن المعاهد، ومنهم من تربى وعاش في الدول الغربية.
البيئة الحاضنة، توجد أساساً في العقل، الذي يحمل مضامين متخلفة ومتشددة ومظلمة، في فهمه للدين وللعالم من حوله، وهو ماينبغي أن يراجع، من طرف الدول الإسلامية، بمؤسساتها التشريعية والتنفيذية والجامعية والتربوية والمدنية والدينية والثقافية، لتغيير هذه البيئة.