يونس مجاهد
هناك سؤال يتكرر باستمرار، بين الفاعلين السياسيين والاقتصاديين، وهو مطروح اليوم بحدة داخل الحكومة، بمناسبة إعداد التصور العام لميزانية السنة المقبلة، مفاده هل نعطي الاهمية للجانب الاقتصادي أم للاجتماعي؟ بمعنى هل نخصص موارد أكثر لتمويل الاستثمارات والقطاعات الاقتصادية، أم للقطاعات الاجتماعية، للتخفيف من حدة الخصاص؟
يظهر من الوهلة الأولى، أن السؤال مشروع، لأن النقاش حول الأولويات يفرض نفسه. فالميزانيات توزع على أبواب بشكل يُحدد الاختيارات التي تريد الحكومة الوصول إليها، وهذا طبيعي، غير أنه من المشروع أيضا طرح التساؤل، هل يمكن فصل الاجتماعي عن الاقتصادي؟ أي هل من الممكن أن تزدهر قطاعات اقتصادية في ظل الخصاص والحاجة؟ وهل يمكن للاستثمارات العمومية أن تكون مجرد مصاريف وتكاليف غير منتجة على مستوى التشغيل وتطوير القطاعات الأخرى؟
لقد بدا –جلياً- أن الفوارق الطبقية التي تزداد اتساعا، تؤثر بشكل سلبي على الاقتصاد، أي على الاستهلاك والسكن واللجوء للخدمات. فكلما ضعفت القدرة الشرائية، وتم إثقال كاهل الطبقات الفقيرة والمتوسطة بمصاريف متراكمة في الصحة والتعليم وغيرها من متطلبات الحياة، كان ذلك سلبيا لتطور الاقتصاد.
ونفس المقياس ينطبق على الاستثمارات العمومية، التي تنهك ميزانية الدولة، لكن تأثيرها على التشغيل وإنتاج الثروات، يظل محدودا، مما يعني أيضا أنه ينبغي أن يتم أخذ البعد الاجتماعي بعين الاعتبار.
غير أن الأهم من هذا وذاك، هو الاستثمار على المدى البعيد، حيث إن الثروة الأولى في كل البلدان هي مواردها البشرية، التي ينبغي أن تحظى بالأولوية القصوى، وهو ما أثبته الواقع المغربي، إذ إن اتساع الفوارق الطبقية والمجالية، وضعف مستويات التعليم والتكوين، وصعوبة الولوج للخدمات الصحية، واستمرار الأداء غير الجيد من طرف الإدارة، وعدم احترام القوانين، في مجالات الاستثمار وعدم الالتزام بالشفافية… كلها سلبيات جعلت من سؤال الأولوية لمن ، هل للاقتصادي أم للاجتماعي، دون جدوى.
الربط الجدلي بين الاقتصادي والاجتماعي، يعني أن هناك تخطيطا على المدى المتوسط والبعيد، لجعل المواطن في قلب هذه المعادلة، بما يتطلب ذلك من تغييرات جذرية على مستوى الاختيارات السياسية، أي بما يتطلبه ذلك من إصلاحات وتضحيات بالتوزيع الطبقي السائد.