من بين أكبر المعضلات التي تواجه ليبيا، تلك المتعلقة بما سمي بالفوضى الإعلامية الرهيبة، التي انضافت إلى الكوارث الأخرى، من انتشار الميليشيات وتغول اللوبيات المالية-السياسية، والانقسامات الجهوية والقبلية، حيث انهار النظام السابق، دون أن يتمكن هذا البلد من إقامة هياكل ومؤسسات وطنية بديلة، تضمن الاستقرار وتجنب الشعب ويلات الإرهاب والابتزاز والفتنة والفساد والانقسام…
هناك من الصحافيين والإعلاميين، الليبيين، الذين جمعنا معهم لقاء في تونس، من اعتبر أَن ما يقوم به الإعلام في بلدهم، أخطر مما يقوم به السلاح، حيث تتناسل القنوات التلفزية والمحطات الإذاعية والمواقع الرقمية، دون أي معايير مهنية، ودون وجود قوانين تؤطر هذا المجال، في غياب تام للأخلاقيات، بل أغلبها ينشر ثقافة الكراهية وشيطنة الآخر، ويشكل واجهة إعلامية لأطراف سياسية ومجموعات منفعية، لا يهمها سوى تحقيق أهدافها ومصالحها الضيقة.
وسائل الإعلام في ليبيا، حسب هؤلاء الصحافيين والإعلاميين، الذين اجتمعنا بهم في إطار برنامج للفيدرالية الدولية للصحافيين، أصبحت غنيمة من غنائم الحرب، وتحول الصحافيون والعاملون في هذه القنوات والمحطات والمواقع الرقمية، إلى أشباه رهائن، إذ لا يمكنهم التخلص من الاستقطابات السياسية، التي تفرض عليهم التخندق مع طرف ضد الآخر.
وقد تعرض العديد منهم للقتل والاختطاف والمتابعات وقطع الأرزاق، في غياب تام لأي سلطة قادرة على حمايتهم، نتيجة الوضع غير المستقر الذي تعيشه ليبيا، وبسبب انهيار العديد من المؤسسات الوطنية، التي عوضتها الميلشيات، خاصة في غرب البلد، حيث مازالت طرابلس، تعيش تحت رحمتها، بينما يتجه الشرق نحو الاستقرار، بفضل انتشار قوات خليفة حفتر، التي تمكنت من القضاء على عدد من المجموعات الإرهابية.
وتعتبر منطقة طرابلس هي الأكثر خطراً على العمل المهني، بسبب الأدوار التي تلعبها ميليشيات متطرفة، حيث تُوجٓه التهمة لقطر وتركيا، بدعمها، وتقوم بالتنكيل بالصحافيين وتهديدهم، بالإضافة إلى الدور الذي تلعبه دار الإفتاء، التي تفرض على العمل الصحافي مضامين، يعتبر الخروج عنها بمثابة تحريض ضد الدين الإسلامي.
ويمكن القول، إن «الفورة» الإعلامية التي عرفتها ليبيا، بعد سقوط نظام القدافي، كانت سلبية، استغلت مبدأ حرية التعبير والصحافة، لتتحول إلى أداة ضد الحرية نفسها، ووسيلة لنشر ثقافة الكراهية والتطرف، وخدمة أجندات المجموعات المتناحرة.
الكاتب : يونس مجاهد