يونس مجاهد
من بين أهم ما نشر حول احتجاجات الحسيمة، بيان موقع من طرف مجموعة من الباحثين، حول دور العلوم الإنسانية والاجتماعية في فهم ما يحدث في هذه المنطقة، وفي باقي المناطق الأخرى، سواء تلك التي عبرت عن مطالبها الخاصة أو تلك التي تضامنت مع الحسيمة، حيث حمل عدة أفكار هامة وبناءة.
من بين هذه الأفكار؛ التخلي عن تلك النظرة المانوية لتحليل الظواهر، أي تفسير كل شيء بقطعية صارمة، بين النور والظلام، في الوقت الذي تحتاج فيه كل ظاهرة إلى تحليل يأخذ بعين الاعتبار عناصر متعددة، لفهم حركات اجتماعية، هي حتماً معقدة.
غير أن ما شدّ انتباهي في هذا البيان، ما جاء فيه بخصوص مفارقة تستحق التحليل والتأمل، وتتعلق بحجم الاحتجاجات الواسعة، مقارنة مع الحجم المتواضع للذين يشاركون في العمليات الانتخابية، مما يُستخلص منه عدم ثقة المقاطعين لصناديق الاقتراع في إمكانية التغيير عن طريق التمثيلية في المؤسسات المنتخبة.
بالإضافة إلى هذه الملاحظة الجوهرية، ينتقد البيان التهجم الذي يحصل على النخب والأحزاب السياسية، محملاً مسؤولية الوضع، لما أطلق عليه العلاقة غير المتكافئة بين مؤسسات الدولة والأحزاب، التي خلقت واقعاً غير مريح للتمثيلية، سواء في الأغلبية أو المعارضة. ويعتبر البيان أن نتيجة هذا الوضع، هي توجه مطالب وانتظارات المحتجين مباشرة للقصر، بدل الحكومة والمؤسسات المنتخبة.
و يمكن القول إنه إلى جانب الإصلاحات الاقتصادية والاجتماعية، الضرورية لسٓدّ الخصاص والحاجات المتزايدة، فإن أهم مدخل لمعالجة المشكل البنيوي في المغرب، يتمثل في القيام بإصلاح سياسي شامل، من خلال تغيير الفلسفة المؤسساتية بِرُمّتِها، التي اعتبرت الأحزاب مجرد مكمل للديكور، أو حاجزاً واقياً، كما حصل مع حزب العدالة والتنمية، لتجاوز آثار ما سمي بالربيع العربي.
هناك ورش سياسي كبير ينتظر المغرب، لتجاوز منطقة الزوابع، يٓمُرّ عبر إصلاح المشاركة الانتخابية الضعيفة والرمزية، التي تعتبر وصمة عار في جبين الديمقراطية المغربية، والتي تحتاج من أجل تجاوزها إلى إعمال المقومات الحقيقية للتمثيلية المؤسساتية، ليس عن طريق المال «الحرام» و»الحلال»، ونظام الأعيان المتهالك، بل عن طريق المصداقية.