غابةٌ حقيقيةٌ

يونس مجاهد
ليس غريباً أن تختلف القراءات والتأويلات، من قِبَلِ التيارات والتنظيمات السياسية والإيديولوجية، تجاه الحركات الاجتماعية، خاصة عندما تتخذ حجما، مثل ذلك الذي أخذته الحركة في الحسيمة ونواحيها، فهذا أمر حتمي ويدخل في صميم التفاعلات التي تحدث مع كل هذا النوع من التحركات.
استيعاب هذا المعطى في التحليل يساعد كثيراً على توضيح الرؤية، وعدم السقوط في الخلط، الذي قد يشوش عليها، لأن هناك تدخلات كثيرة، في هذه الحركة، التي انطلقت من الحسيمة، وامتدت آثارها إلى مناطق أخرى، بتفاوت، لكن الذي يهمنا هنا هو التأكيد على أن هناك جدعاً أساسياً مشتركاً، تستند عليه كل التموقعات السياسية والإيديولوجية، والذي هو الغابة التي لا يمكن أن تخفيها شجرة التدخلات المختلفة المشارب والأهداف.
من الطبيعي أن يقف المتتبع، حائراً أحياناً، وهو يلاحظ كيف أن المتناقضات تجتمع في شعارات ومواقف، تعبر عنها منظمات وأحزاب سياسية وجماعات دينية، لا يجمع بينها أي شيء، سوى الرغبة في الاستفادة من الحركة الاحتجاجية المشروعة، لتحقيق مكاسب تخدم مصالحها الخاصة.
من أقصى اليمين الرجعي و التطرّف الديني، مرورا بالأحزاب القريبة من السلطة، وصولا إلى اليسار الجذري، هناك تلاحم لم يسبق له مثيل، حيث يحصل خلط غريب للأوراق، بدون تمييز، لأن هناك حركة احتجاجية، يمكن أن تشكل ورقة، يستعملها كل طرف بالشكل الذي يخدم أهدافه، التي هي حتماً متنافرة، إلى حدٍ بعيدٍ، بين من يُعْتٓبٓرُ رمزاً من رموز الفساد، وبين من لا برنامج له سوى نشر خرافات القومة والقيامة، وبين من يعتبر أن كل حركة جماهيرية، هي مناسبة لفكّ عزلته…
مثل هذه المظاهر، عادية في السياسة، وتحصل في كل المجتمعات، لكنها لا ينبغي أن تُخفيٓ ما هو أعظم، أي جوهر القضية، المتمثل في حجم الخصاص والفقر والتهميش والبطالة وفشل السياسات العمومية في التعليم والصحة والخدمات، بالإضافة إلى استمرار أنظمة الريع والفساد والظلم. هناك مطالب مشروعة، هي التي تدفع آلاف الناس للتظاهر، و تحتاج معالجتها عبر برنامج خاص ونموذج جديد في التنمية وفي توزيع الثروة، ومراجعة شاملة لعلاقات مختلف السلط بالمجتمع، هذه هي الغابة، التي ينبغي رؤيتها، ومعالجة مشاكلها، دون الالتفات إلى أي شيء آخر، قد يخلق التشويش على حقيقة الأمور.