يونس مجاهد
تؤكد العديد من التقارير الدولية، حول الوضع الاقتصادي والاجتماعي، في المغرب، أن العجز المسجل على مختلف المستويات، ليس معطى طارئاً، بل هو بنيوي، وسيتواصل، لأنه يتعلق بقضايا كبرى تهم قدرة الاقتصاد على إنتاج الثروة وتوفير مناصب الشغل، بالإضافة إلى مشاكل هيكلية في التعليم والصحة وعدد آخر من مناحي التنمية البشرية.
فسواء بالنسبة للتقرير الأخير الذي أصدره البنك الدولي، أوتقرير منظمة اليونيسيف، وكذلك التقارير التي تصدرها باستمرار المندوبية السامية للتخطيط، فإن المعطيات البنيوية، التي تميز الواقع المغربي، لا يمكن تجاوزها بسهولة، لأن شأنها في ذلك شأن كل المؤشرات الهيكلية،تتطلب سياسة طويلة الأمد، باختيارات واضحة، تؤثر فيها أيضا التحولات الخارجية المحيطة.
ويمكن القول إن الوعي بهذه المعطيات البنيوية، قد حصل على صعيد واسع، بين مختلف المكونات السياسية وبين الفاعلين الاقتصاديين، خاصة بعد إنجاز تقرير الخمسينية للتنمية البشرية، الذي كان واقعياً وتمكن من الابتعاد عن صيغة التقارير الرسمية السابقة، التي كانت تصور الواقع بشكل مغلوط، رغم أن الملك الراحل، الحسن الثاني، مسحها بجملته الشهيرة حول «السكتة القلبية»، التي كانت تهدد البلاد في منتصف تسعينيات القرن الماضي.
يسجل التقرير الأخير للبنك الدولي، أن المغرب تمكن من تحقيق بعض الإنجازات الإيجابية، مثل تقليص وطأة الفقر وتحسن مستوى المعيشة وزيادة فرض ولوج الجميع إلى الخدمات العمومية الأساسية، في إطار تقدم اقتصادي، تحقق خلال السنوات الخمس عشرة الأخيرة.
غير أن المعطيات الصعبة والمعقدة، مازالت قوية، تهم خاصة بطالة الشباب المتعلم وتهميش عدد من المناطق وهشاشة الأوضاع بالنسبة لبعض الفئات، مع استمرار وتيرة النمو الديمغرافي والتطور العمراني وزيادة الطلب على الخدمات والتعليم والصحة والحماية الاجتماعية…
لذلك،فإن الوضعية تتطلب حلولا على مختلف المستويات القريبة والمتوسطة والبعيدة المدى، غير أن البعد الاستراتيجي هو الأهم، وهو ما تذهب نحوه مختلف التقارير، حيث إن البنك الدولي يتحدث عن «المغرب في أفق 2040 «، كما أن تقرير الخمسينية يصل في احتمالاته إلى سنة 2025 ، بينما أنجزت المندوبية السامية تقريرا يتضمن إسقاطات في أفق سنة 2030.
ما يهم من تقديم الأمثلة حول هذا النوع من التقارير، التي تعتمد معطيات إحصائية واقتصادية وعلمية، هو التأكيد على البعد الاستراتيجي لمخططات وبرامج التنمية، فإذا كان مطروحا على الحكومات معالجة المشاكل الآنية والمستعجلة والطارئة، فإن هذا لا ينبغي أن يحجب عنها ضرورة استحضار الحلول طويلة الأمد.