طنجة: أحمد يحيا
بدخول الاتحاد الاشتراكي للحكومة رغم الظروف السياسية الصعبة التي عاشها الحزب و عاشها المغرب يكون حزب الاتحاد الاشتراكي قد نجا من موت محقق، كما خطط لذلك مع سبق الإصرار و الترصد.
الأخ المجاهد الأستاذ عبد الرحمن اليوسفي سبق أن قال أنه لا يمكن أن يرى أو يتصور المغرب دون “حزب الاتحاد الاشتراكي ” و أنه لا يمكن أن يضيع ” حزب الاتحاد الاشتراكي ” بكل تاريخه و نضاله و صراعه من أجل قضايا الديمقراطية و الحداثة و حقوق الإنسان…
المشاركة في الحكومة بعد ستة أشهر من المشاورات المعقدة التي كان سبب تعثرها الرغبة في تصفية الاتحاد الاشتراكي و إبقائه على هامش المشهد السياسي إيذانا بوأده، و مقاومته العنيدة لحكم الإعدام و الوأد حتى إعلان دخوله لتشكيلة حكومة الدكتور سعد الدين العثماني هو نجاة حزب السي عبد الرحيم بوعبيد من موت محقق أو اغتيال شبه مؤكد، و مدبر و بذلك فهو أكبر انتصار للاتحاد الاشتراكي منذ انتكاسة سنة 2002 .
الزعماء و القادة الاتحاديون الكبار الذين يعرفون هول و حجم الحرب التي شنت على الاتحاد الاشتراكي منذ 2002 إلى الآن و على رأسهم كاتبنا الأول السابق و رئيس أول حكومة تناوب توافقي الأخ المجاهد عبد الرحمن اليوسفي يقدرون هذا الإنجاز و يعتبرونه انتصارا حقيقيا كبيرا و عودة لحزب الاتحاد الاشتراكي لواجهة لمشهد السياسي بالمغرب، يبقى على الاتحاديات و الاتحاديين استثماره و السير به إلى الأمام لتثبيته و إضافة إنجازات جديدة إليه.
و إذا كان أصل انتكاسة الاتحاد الاشتراكي سنة 20022 مصدره زعامات اتحادية أضعفت موقف الحزب و صورته أمام القصر و أمام خصومه آنذاك، فإن بعض الزعامات الحالية التي خانها وجود بعضها على رأس المناصب الوزارية و الحكومية و التي قررت تبعا لذلك الانتفاض معتبرة أن ما حققه الاتحاد الاشتراكي تراجع في مسلسل تراجعاته و حملت الكاتب الأول للحزب لوحده مسؤولية هذا التراجع و تطالب بترتيب الآثار السياسية على هذا التراجع، إنما تستمر في السياسة الممنهجة التي تروم طمس كل مكامن نجاح الاتحاد الاشتراكي و تروم الاستمرار في إضعافه أمام الدولة و أمام خصومه.
هذه الزعامات كان بإمكانها لو كانت الغيرة على الاتحاد الاشتراكي هي ما يحركها أن تعترف أولا بهذا الإنجاز الإنتصار و تعتبر نفسها شريكة في صنعه إلى جانب كل الاتحاديات و الاتحاديين و تفصل ذلك عن مسار صراعها مع الكاتب الأول للحزب..
أما صراع هذه الزعامات مع الكاتب الأول للحزب فلها ألف طريقة أخرى للإعلان عنه و تدبيره و كان أولى لها أن تهيئ برنامجها و مرشحها لمنافسته على الكتابة الأولى للحزب إن هو ترشح و تترك للاتحاديات و الاتحاديين فرصة النقاش و الاختيار بهدوء…
غير أن الانطلاق في حملة و بأساليب غير مدروسة قبيل المؤتمر الوطني العاشر و دون برنامج يذكر لا يعدو أن يكون الطعن في الكاتب الأول للحزب لا أقل و لا أكثر و التركيز في هذه الحملة على أن الحزب خرج من كل هذا المسلسل خاوي الوفاض كما صرح بذلك مؤخرا أحد قياديي هذه الزعامات لأحد المواقع الإخبارية الإلكترونية، يعتبر إهانة لكل الاتحاديات و الاتحاديين الذين كانوا في مختلف مواقع المواجهة يتصدون لمشروع إعدام الاتحاد الاشتراكي بصلابة و إيمان ورثة أبناء المقاومة و جيش التحرير و يستحضرون كل مرة و هم في مواقع المواجهة، الإرث الثقيل من شهداء الحزب و الحركة الاتحادية و الإرث الثقيل للمعتقلين و المنفيين و الإرث الثقيل لنقابيي حزب القوات الشعبية ضحايا المعارك الاجتماعية ، و هو ما يجعلنا نختلف مع هذه الزعامات منذ نقطة بداية حملتهم.
على مدى ستة أشهر التي أخذتها مشاورات تشكيل الحكومة و أغلب هده الزعامات أو القيادات و هي تنفخ في أذاننا و عقولنا و تطبل و تزمر بأن حصول الاتحاد الاشتراكي على 20 مقعدا نيابيا يعتبر إنجازا كبيرا بل كان مستحيلا في ظل قطبية ثنائية حزبية مفروضة انتفى معها مفهوم تكافؤ الفرص لاعتماد أحد طرفيها و أحد لاعبيها الأساسيين على خطاب و مرجعية دينية و أموال العون و الإحسان العمومي و اعتماد طرفها و لاعبها الثاني على دعم إداري مباشر و أموال مشبوهة إلى غير ذلك من المبررات التي كنا مقتنعين بها و لكن هذه القيادات التي كانت تجوب ربوع المغرب للدفاع عن الحصيلة استطاعت أن تقنع الأبكم و الأصم ممن لم نستطع نحن إقناعه و استمر هذا الدفاع عن الحصيلة إلى ما قبل الإعلان عن الحكومة و أسماء أعضائها.
إن الاتحاديات و الاتحاديين و منذ الجيل الأول من المؤسسين معروفات و معروفون بذكائهن و ذكائهم الحاد، لذلك كان أولى بهذه الزعامات أن تحترم هذا الذكاء و أن تحترم نخوة الاتحاديات و الاتحاديين و أن لا تفسد عليهن و عليهم نشوة الخروج من غرفة الإعدام بسلام و فرحة الاستيقاظ من غيبوبة دامت طويلا.
و أغرب ما في كل هذا أنهم أسقطوا عن أنفسهم صفة المشاركة في تحقيق هذا الإنجاز، و لهم كل الحق في اتخاذ قرارهم الذي يجعلهم غير مشاركين في هذا الإنجاز…
تواجد الاتحاد الاشتراكي في الحكومة الحالية بأربعة حقائب و على رأسها الأمانة العامة للحكومة التي تعتبر وزارة سيادية، و تعيين الملك رئيس الدولة في إطار صلاحياته المكفولة دستوريا لاتحادي في المجلس الأعلى للسلطة القضائية و لآخر في المحكمة الدستورية مؤشرات و إشارات أكثر من قوية على عودة الاتحاد الاشتراكي إلى واجهة الشأن العام الوطني و من خلال ذلك إلى واجهة المشهد السياسي و الحزبي بالمغرب و يجب على الاتحاديات و الاتحاديين أن يستثمروا الثقة الملكية في أطر حزبهم في الاتجاه الصحيح كما صرح لي بذلك و قال الأخ الأستاذ المجاهد عبد الرحمن اليوسفي و أظن أن أول علامات استثمار هذه الثقة الملكية في تقوية موقف و موقع الحزب تجاه الدولة و تجاه خصومه و ليس بتبخيس و نكران هذا الانتصار و هذا الإنجاز…
لسنوات و قوى مستترة و أخرى معلنة تحاول تصفية الاتحاد الاشتراكي و لكن نتائج اقتراع 07 أكتوبر 2016 النيابي و نسبة مقاطعة المغاربة لهذا الاقتراع أظهرتا أن المغاربة يرفضون توجه هذه القوى و رفضهم لمشروع هذه القوى، كما أظهرتا أن نظامنا السياسي بعاني من ظواهر مرضية كبيرة تعيق قرار مشاركة نسبة كبيرة من المغاربة في الاستحقاقات السياسية الوطنية ما يستوجب حلا موضوعيا بإعادة قطار المسلسل الديمقراطي إلى سكته التي زاغ عنها منذ سنة 2002 و بداية الحل بإعادة الاعتبار للأحزاب الوطنية الديمقراطية و على رأسها الاتحاد الاشتراكي.
منذ الرسالة الملكية السامية التي تلاها الأخ المجاهد الأستاذ عبد الرحمن اليوسفي بالمكتبة الوطنية يوم 30 أكتوبر 2015 في الذكرى الخمسينية لاختطاف المهدي بن بركة و إشارات إعادة الاعتبار للاتحاد الاشتراكي تتوالى و يبقى على أبناء حزب القوات الشعبية فهم تلك الإشارات و التفاعل معها بشكل إيجابي، و كسب رهان معركة البقاء و الاستمرارية في ظل حرب تلك القوى المعلنة و المستترة كان أكبر رهان و الحمد له أن الاتحاد الاشتراكي كسب هذا الرهان فكانت عودته و العود دائما أحمد
و إن هذه العودة للاتحاد الاشتراكي لواجهة المشهد السياسي من بوابة المشاركة في حكومة الدكتور سعد الدين العثماني و من بوابة تعيين الملك محمد السادس لاتحاديين في مؤسسات دستورية لأحسن طريقة لإعلان هذا الميلاد و الانبعاث الجديد للاتحاد الاشتراكي.