فتح الله رمضاني *
سؤال استقلالية الشبيبة الاتحادية عن حزب الاتحاد الاشتراكي، أو سؤال تأطير طبيعة العلاقة بين الشبيبي والحزبي، كان سؤالا مطروحا دائما على طاولة مؤتمرات الشبيبة الاتحادية منذ أول مجلس وطني لها سنة 1975، حيث عمل المناضلات و المناضلين دائما على جعل العلاقة بين الشبيبي و الحزبي علاقة اتصال و تواصل و ليس علاقة قطيعة، فلم يرادف أبدا مفهوم استقلالية المنظمة في معناه مفهوم القطيعة، لكنه أخذ صورا عديدة كان آخرها صورة المصاحبة، والذي تبنته المنظمة خلال مؤتمرها السادس، ونتيجة للحسم مع نزوات و نزوعات البعض ممن كانوا في قيادتها، والذين حاولوا حينها استغلال شرعية الانتماء إليها ، و شرعية السن، لفرض تصورات سياسية معينة على أجهزة الحزب، وبشكل تغيب فيه الشرعية النضالية و الديمقراطية.
ولأنها منظمة شبابية سياسية، تتبنى الخط السياسي للاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، كان من العادي أن تتأثر به و أن تؤثر فيه، خصوصا أنه حزب نشيط و يعرف حيوية كبيرة على مستوى البحث عن إجابات للأسئلة التي كانت تطرح عليه خلال كل ظرفية سياسية، ونظرا للعلاقة الجدلية التي تربط السياسي بالتنظيمي، فقد كان لزاما عليها أن تسير على نفس نهج الحزب، و بالخصوص على مستوى اختياراته التنظيمية، هذا بالإضافة إلى معطى ازدواجية الانتماء إلى الحزب و إلى الشبيبة الاتحادية. كل هذا جعلها تتدرج من حسن إلى أحسن وبشكل مؤطر بعملية تحديث مستمرة و متواصلة، حتى صارت مع مرور الزمن، صورة مصغرة لاختياراته التنظيمية.
وإذا كانت المنظمة تعاني من شيء اليوم، على مستوى التنظيم والتدبير، ففي تقديري فهي كالاتحاد الاشتراكي، لا تعاني إلا من تفشي ثقافة تنظيمية ضعيفة، تجعل المنتمي إليها، سواء في القواعد أو من القيادات، يعتقد أنه في حل من التزاماته التي ترتبها عليه أدبياتها و قواعدها و قرارات أجهزتها، وهي الثقافة التي ترهق أداتها التنظيمية، وتأثر سلبا في إستراتيجيتها، والحل الوحيد لتصحيح الوضع، لا يكمن في استيراد مصطلحات و مفاهيم و تصورات عامة، ومحاولة إسقاطها على الواقع الشبيبي، بشكل يجعلها أي تلك المفاهيم، إما سطحية أو خارج الموضوع. إننا كاشتراكيين ديمقراطيين، نناضل من أجل بناء مجتمع حداثي نعم، لكن نحن لم نلغي يوما في أدبياتنا اتصال الحداثة بالواقع، ولم نجعل الحداثة تصورا عاما، كإطار فارغ يمكنه استيعاب تمثلات البعض منا لها، أو يمكنه استيعاب تمثلات الأخر لها، و الأخر هنا هو غير المنتمي إلى واقع غير واقعنا، حتى صارت ومن كثرة تداولها غير ذات معنى.
لقد توفقنا إلى حد ما، في تبني الحداثة بإعطائها بعدا مطلقا خاص بنا، مؤسس على تلازم الفكر بالعمل، أو بصيغة أدق، ترابط العقل بالعمل، و لأن العقل نتاج البنية التي ينشأ فيها، فإن الحداثة مثلت بالنسبة إلينا ارتباط العقل بالواقع، سواء تعلق بالشبيبة أو بالحزب أو بالمغرب ككل، أو بصيغة أكثر دقة ترابط الفعل و الممارسة، ولما كانت الحداثة لا تعني غير النقد، فهي وانطلاقا من أدبياتنا، لا تعني غير نقد واقعنا من داخل هذا الواقع، الذي لا يعني غير أجهزتنا الشبيبية و الحزبية، وكل موقف يتم تصريفه من خارج هذه الأجهزة، فهو بالضرورة سلوك رجعي و غير حداثي بالمرة.
إن القول بأن الثقافة التنظيمية الضعيفة، تشكل أهم المآزق و العوائق، التي تعترض مسيرة تأهيل أداتنا التنظيمية، وتجويد ممارستنا الشبيبية، ليس حكم قيمة، بل هو خلاصة يمكن استنتاجها لكل من تتبع مسار بناء الأداة التنظيمية لمنظمتنا منذ 1963، وهي خلاصة لا يمكن تجاوزها، بتبني خطاب ينهل من معجم التصورات العامة، و إسقاطها بشكل غير مفهوم، وغير علمي، على تشخيص واقعنا التنظيمي، فكل فقهاء التنظيم، لم يتحدثوا إلا عن ثقافة تنظيمية قوية و أخرى ضعيفة، وفيهم من قال بالثقافة البيروقراطية، ولم يتهور واحد منهم، في ربط ثقافة التنظيم بقيم متجددة، وبتصورات عامة كالحداثة، ثم إن هذه الثقافة التنظيمية الضعيفة، هي التي تجعل البعض منا، يعتقد بأن حضوره النضالي، يجب أن يكون حضورا رافضا لفلسفة الإطار ككل، ليسقط بهذه الطريقة، في فخ الرافض للاتفاق و للأعراف و للأدبيات التي تؤطر الإطار.