رغم أن مصطلح «البلطجة»، دخيل على المغرب، وأصبح مشهوراً منذ أن عرفه الناس، أثناء الثورة الأولى، في ميدان التحرير، بالقاهرة، عندما لجأت السلطة آنذاك إلى ما يسمى بالبلطجية، وهي عصابات منظمة، حاولت تكسير المظاهرات والتجمعات، لكنها فشلت أمام صمود الشباب والمواطنين الذين كانوا مصرين على مواصلة ثورة 25 يناير 2011.
تعرفتُ على البلطجية، في القاهرة، عندما كنت مقيما في فندق في آخر شارع الهرم، قرب أهرامات الجيزة، وهم أشخاص يعترضون سبيل التاكسيات، حيث يعتبرون أن لا حق لها في ولوج المنطقة التي يتحكمون فيها، ويفرضون، بالقوة، على السياح أثمان غير قانونية، في ركوب الخيل والإبل للتجول في المنطقة، ونفس الممارسات تتم في المطاعم والكباريهات التي تمتد على طول هذا الشارع، حيث يتعرض بعض مرتاديها للابتزاز والسرقة…
كل هذا يتم بتواطؤ مع الشرطة والسلطات المحلية، التي تعتبر أنها بتكريس هذا النظام، فإنها تربح على واجهتين، الأولى، مباشرة، حيث إن أعوانها يجمعون الأتاوات، من البلطجية، ويتم اقتسامها بعد ذلك على أعلى مستويات المتحكمين في المنطقة، الثاني، هو ضمان الأمن والمراقبة والتجسس والتحكم، في كل مايدور في هذه الفضاءات.
وقد تعرضت السينما المصرية لهذا النموذج من خلال أفلام واسكيتشات، بلغت من الواقعية، إلى حد أنه من الممكن أن توحي بنفس النماذج التي نعيشها في المغرب، خاصة فيما يتعلق بحراس السيارات والشواطئ والعمارات وشركات الحرس الخاص… وغيرها من الممارسات والمظاهر التي ترافق التطور العمراني، المُشٓوه، والذي عجزت فيه الجماعات المنتخبة والسلطات المحلية، تنظيمه بشكل عصري.
من المؤكد أن الإكراهات الاقتصادية والاجتماعية، ومشاكل التشغيل والتهميش، تضغط بقوة، على السلطات، في مراحل انتقالية، تكون عادة صعبة ومعقدة، غير أن هذا لا يمنع من عقلنة الإكراهات، حتى لا يهيمن الاقتصاد والضغوطات الهامشية على المجتمع، لأنها عندما تتحول إلى عملة سائدة، فإنها قد تقتل كل مشاريع الاستثمار والتحديث والتقدم.
وفي كل الأحوال، إن ما يجري من أشغال كبرى في العديد من الحواضر، لتنظيم الساحات العمومية والسير والطرق والفضاءات، يستدعي الحسم مع ظاهرة شبيهة بالبلطجة، التي تسود، مثلا في العاصمة الرباط، حيث تحولت حقوق الشركة المكلفة ب»باركينج» السيارات، إلى عملية تحايل واسعة، يتكلف بها حراس، معتمدون، يستخلصون نصيب الشركة ونصيبهم، خارج القانون، ومن لا يخضع ل»قانونهم»، يمكن أن تصاب سيارته بأذى. وهذا مجرد نموذج بسيط، لكيفية المعالجة الفاشلة لمشاكل العمران والتهميش، على حساب القانون والتقدم.