السكن بالمغرب تراجعات حادة وتداعيات اجتماعية خطيرة

إن ضمان الاستقرار الاجتماعي بالمغرب، رهين بسن سياسات عمومية كفيلة بتطوير سياسة سكنية بديلة، قادرة على مواجهة العجز المتراكم وتشجع الاستثمارات من أجل المساهمة في التنمية البشرية والاقتصادية.

غير أن السياسة العمومية الموجهة لقطاع السكن و التعمير في المغرب، وباستحضار التحولات التي عرفها المجتمع المغربي، والكم الهائل من المشاكل المرتبطة بالقطاع، والتي تراكمت نتيجة غياب رؤية استراتيجية موحدة وسوء التدبير وتنامي ظاهرة المضاربة العقارية، لا يمكن وصفها إلا بالسياسة المحدودة و القاصرة، والتي لا ينذر استمرارها إلا بالقلق.

فحسب المؤشرات المتعلقة بسنة 2014، يلاحظ تراجعات مهمة في القطاع مقارنة مع سنة 2013، حيث انخفض عدد الوحدات السكنية الاجتماعية والاقتصادية بنسبة 1,1 %، وبنسبة 6,7 % في عدد الوحدات السكنية الاجتماعية والاقتصادية الموجودة في طور البناء، كما تم تسجيل انخفاض حاد بنسبة 44 % في عدد المساكن الاجتماعية المرخصة، حيث انتقلت من 87.624 وحدة سنة 2013 إلى 48.721 وحدة سنة 2014، وهو الوضع الذي انعكس سلبا على وضعية العديد من القطاعات المرتبطة بمجال السكن، والتي عرفت بدورها تراجعات هامة، حيث تم تسجيل انخفاض مهم بنسبة 5,4 % في استهلاك الإسمنت، إذ انتقل الاستهلاك من 14,86 مليون طن سنة 2013 إلى 14,06 مليون طن سنة 2014.

وهو الوضع، الذي نتج أساسا عن اختلالات هيكلية، في الطريقة التي تعاطت معها الحكومة السابقة، في معالجة المشاكل المرتبطة بالقطاع، والتي تميزت بالارتجالية و بالبطء في تفعيل حتى توصيات الميثاق الوطني لإعداد التراب والتنمية المستدامة، المتمخض عن الحوار الوطني حول إعداد التراب لسنة 2001، سواء على الصعيد الوطني أو على الصعيد الجهوي.

وهذا ما يفرض ضرورة إقرار الحكامة في تدبير المخططات الوطنية ووضع اسراتيجية جديدة تأخذ عين الاعتبار فشل السياسة الحكومية، وتستحضر التقطيع الترابي الجديد لسنة 2015 ،مع إبداع آليات جديدة لتطوير منظومة السكن.

وهذا بالضبط ما استند عليه حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، في برنامجه الانتخابي بخصوص انتخابات 2016، وهو يطرح تصورا اجتماعيا شاملا لمعالجة إشكالات السكن في

علاقته بالتعمير والسياسة الترابية، من أجل الاستجابة للحاجيات المجتمعية الملحة، وتحفيز الفاعلين الاقتصاديين على الاستثمار المنتج والرفع من الجودة. وما عزز هذا التصور، هو تضمنه لتخطيط محكم يهدف إلى تطوير سياسة السكن الاجتماعي لتلبية الانتظارات المتجددة للفئات المعنية ومواجهة الخصاص المسجل، كما يهدف إلى تطوير سياسة سكنية جديدة لفائدة الطبقات الوسطى بتدابير مغايرة. كما توخى تصور الحزب للمنظومة السكنية وقضايا التعمير والسياسة الترابية تحسين مناخ الاستثمار في مجال السكن من جهة، ورفع التحديات للتمكن من احترام المعايير المعتمدة والرفع من المهنية وتقوية المردودية، من خلال مجموعة من التدابير، أهمها :

* تحيين المخطط الوطني لإعداد التراب الوطني ومراجعة تموقع إعداد التراب ضمن الهندسة المؤسساتية التنفيذية وفي علاقته بالتحولات المجتمعية العميقة، وذلك عبر إحداث وكالة وطنية أو مندوبية سامية لإعداد التراب والتنمية المستدامة.

* إقرار نظام جديد لتدبير المدن يضمن الفعالية في التسيير والنجاعة في التدبير ويسمح بالمشاركة الفعالة الواسعة بإعادة النظر في دور ومهام المنتخبين وسلطات الوصاية، وعبر بناء إدارة جماعية حديثة وكفأة.

* الحد من تعدد المؤسسات العمومية المتدخلة في القطاع داخل نفس المدينة والحرص على اندماج البرامج وتجميع الإمكانيات وإدماج السياسة السكنية ضمن رؤية استراتيجية لتنمية المدينة.

* إصلاح وتعميم نظام التخطيط الحضري، بالاعتماد على التخطيط الاستراتيجي من أجل بلورة المشروع الحضري المنسجم للمدينة عبر تأطير المدن بمخططات استراتيجية تدمج الجماعات الضواحي ضمن رؤية استشرافية تقوم على التشاور والشراكة.

* مراجعة النظام الضريبي لقطاع العقار بهدف جلب المزيد من الاستثمارات وتخفيض العبء الضريبي سواء من جانب الأسر أو المنعشين العقاريين، مع خلق ضرائب متخصصة تبعا لمجالات التدخل (السكن الاجتماعي، الكراء، السكن السياحي، الأنسجة القديمة، …).

* إعفاء جزئي من الضريبة على الأرباح وتعميم الاستفادة من استرداد الضريبة على القيمة المضافة لفائدة الاستثمارت التي تهم إنتاج 500 شقة أو أكثر خلال خمس سنوات على الأكثر، مع جعل الجودة و السلامة عنصرين أساسيين للاستفادة من التحفيز الجبائي.

* تقديم تحفيزات عقارية وجبائية للتعاونيات السكنية وخلق إطار جديد لتنمية العمل التعاوني في مجال السكن، مع تقديم تحفيزات ضريبية للاستثمارات التي تهم المساكن التي لا تتعدى قيمتها العقارية 500 ألف درهم.

هذا بالإضافة إلى العديد من الإجراءات، التي يمكن من خلال سنها، التأسيس لسياسة عمومية شاملة، ولميثاق وطني وجهوي جديد.