الصحة بالمغرب واقع صادم و خصاص مهول

شهدت المنظومة الصحية، خلال العقدين الأخيرين، اختلالات عميقة بفعل الإكراهات المتعددة والحاجيات الملحة لفئات عريضة من المواطنات والمواطنين، كما اعترتها مشاكل جوهرية تتعلق بسوء التدبير وتفشي الفساد مما أدى إلى تدني الخدمات الصحية وتراجع المؤشرات الأساسية. وقد تمثلت الإشكالات الصحية الرئيسية، المهددة للحماية الاجتماعية، في غياب التغطية الصحية الشاملة واتساع حدة الفوارق الصحية المجالية وصعوبة الولوج إلى العلاجات وقلة العرض الصحي والنقص في الموارد البشرية وغلاء الأدوية والمستلزمات الطبية. فمعظم الإجراءات المتخذة إلى اليوم لم تعكس توجها حقيقيا واستراتيجيا لإصلاح المنظومة الصحية ولم تترجم سياسة عمومية قوية بمخططات عملية وأولويات علمية وأهداف دقيقة تستجيب، بشكل عام، لانتظارات المواطنين وآمال المهنيين. وهكذا، ظل قطاع الصحة محكوما بالتدابير المنبثقة عن خطط عمل ظرفية لا تتجاوز المدى القصير في غياب ميثاق وطني حول الصحة يرسم المعالم العامة للاستراتيجية الوطنية الصحية على المدى المتوسط والبعيد.

هذا هو واقع قطاع الصحة في المغرب، والذي لا يستفيد فيه 40 % من المغاربة من أية تغطية صحية، بشبكة علاجات أساسية ضعيفة، يوجد أغلبها في وضع كارثي لتقادم بناياتها وأجهزتها في ظل غياب الرقابة وتراجع الميزانيات، وبأكثر من 300 مؤسسة مغلقة لعدم توفر الموارد البشرية والتجهيزات الطبية اللازمة، وأزيد من 600 مركز صحي لا يتوفر على طبيب، وأزيد من 700 منها تشتغل بممرض واحد، وهو واقع منطقي، إذا علمنا أن المغرب يعتبر من أقل الدول إنفاقا على صحة مواطنيه، إذ أن نصيبهم في ميزانيات الخمس سنوات الأخيرة لم يتجاوز 4.9 % في أحسن الحالات، رغم أن النسبة التي تم إقرارها في قمة الألفية بالأمم المتحدة هي 10 % من الميزانية العامة للدول، وهي نسبة لا تمثل سوى نسبة 1.2 % من الناتج الداخلي الخام.

واستنادا على هذه المعطيات، وأخذا بعين الاعتبار المنجزات الهامة لحكومة التناوب في المجال الصحي، ينطلق حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، في تصوره لتجاوز اختلالات قطاع الصحة، من ضرورة توفير حماية اجتماعية صلبة تقطع مع منطق المساعدة الاجتماعية من خلال تقوية التغطية الصحية الأساسية والأجرأة الفعلية لحق الجميع في الصحة وتكريس مفهوم التضامن والتكافل الاجتماعي بين فئات المجتمع. ومن ثمة، يعتمد الحزب منهجا شموليا في معالجة المجال الصحي لا يقوم على النموذج الطبي ذي التوجه الباثولوجي و العلاجي المحض، بل يتأسس على نموذج متماسك للصحة الاجتماعية لا يقتصر فقط على الصحة البدنية ويروم إعادة توزيع النفقات العمومية لصالح الخدمات الاجتماعية، وخاصة الخدمات الصحية. إنه نموذج يسعى إلى تثبيت حق جميع المواطنين في الصحة والاستفادة من وسائل الوقاية و التطبيب والعلاج وفق مبادئ المساواة والعدالة والإنصاف والتضامن.